[ad_1]
بين وهم السلام وحقيقة الميليشيا
بقلم:لام دينق نوت شول
إنّ الخطابات السياسية، وإن زخرفها أصحابها بزينة الألفاظ، لا تُقاس بجمال العبارة ولا بترتيل الشعارات، بل بصدق المضمون، واتساق الفعل مع القول، وإخلاص المتحدث لقضية وطنه وشعبه. وإذا أخذنا خطاب قائد ميليشيا الجنجويد الأخير، الذي قدّم نفسه فيه رئيساً لما سمّاه “المجلس الرئاسي”، فإننا أمام نصّ تتجلّى فيه المفارقة الكبرى بين ادّعاء السلام وممارسة الحرب، وبين ادّعاء الشرعية وواقع الاغتصاب السياسي، وبين استدعاء التاريخ وتزويره.
🥴🥴
لقد بنى الرجل خطابه على كلمة “السلام”، يكرّرها كما يكرّر الممثل لفظاً في مسرحيةٍ ليقنع الجمهور بدورٍ لا يُجيده. ولكن أيُّ سلامٍ هذا الذي تُبشّر به ميليشيا لا تزال مدافعها تدكّ المدن، وخيولها تدوس القرى، وجنودها يحيلون حياة السودانيين جحيماً من الخوف والنزوح والمجاعة؟ إنّ السلام الذي يخرج من فوهة البندقية ليس إلا هدنة زائفة، يُراد بها شراء الوقت وترتيب الأوراق، لعملية التفكيك النهائية.
%
😂
في محاولة لإضفاء الشرعية على خطابه، استعرض الرجل تاريخ بعض الحركات الوطنية منذ منتصف القرن العشرين، وكأنها إرهاصات وجوده السياسي. لكن تلك الحركات كانت أصوات الشعب ضد التهميش، ونضال الوعي ضد الاستبداد. أما الميليشيا التي يقودها فهي صفحة سوداء في تاريخ السودان، قامت على الإبادة الجماعية، والارتزاق السياسي، وارتهان القرار الوطني للقوى الإقليمية. التاريخ هنا ليس زينة تُعلّق على جدار الخطاب، بل شهادة تُدين من يريد تزويرها.
%
🤔
يزعم قائد الميليشيا أن حكومته “شرعية”، وأنها تمثل إرادة السلام. ولكن الشرعية، في كل فلسفات السياسة، تقوم على عقدٍ اجتماعي حرّ بين الحاكم والمحكوم، وعلى اختيارٍ شعبي واضح لا لبس فيه. فأين هو هذا العقد؟ وأين هو ذلك الاختيار؟ أفي مخيمات النزوح حيث يئنّ الأطفال من الجوع؟ أم في الخرطوم التي تحوّلت إلى أنقاض؟ إنّ حكومة تُبنى على القهر لا تُسمّى شرعية، بل هي مجرد سلطة أمرٍ واقع، تعيش بقدر ما تستمر فوهات البنادق في إطلاق النار.
👇
لقد جاء في خطابه حديثٌ طويل عن حقوق الإنسان والمواثيق الدولية، وهو حديث لا يزيد عن كونه سخرية مرة. فالذي اغتصب النساء في دارفور، ونهب مخازن الغذاء في الجزيرة، وأحرق البيوت في الخرطوم، لا يحق له أن يتغنى بالمواثيق. إنّ لحقوق الإنسان معنى لا تدركه ميليشيا اعتادت أن تجعل من الجسد غنيمة، ومن الأرض مسرحاً للنهب، ومن الشعب رهينة.
💥
لا سلام بغير عدالة، ولا عدالة بغير محاسبة. هذا مبدأ يعرفه كل عالم سياسة، ويؤكد عليه كل دستورٍ رشيد. فإذا أراد السودان أن ينهض من تحت الركام، فلا بدّ من محاسبة كل من تلطخت أيديهم بالدماء، وإخضاع أمراء الحرب إلى قضاء عادل، وعلي رأسهم قائد ميليشيا الجنجويد ؛
✊✊✊
إن خطاب قائد الميليشيا ليس وثيقة سياسية، بل هو محاولة للهروب من العدالة بسترٍ من الشعارات. وهو ليس مشروعاً للسلام، بل خدعة سياسية غايتها شرعنة السلاح في ثوب الدولة. غير أنّ وعي الشعب السوداني أعمق من أن يُستدرج بمثل هذا الكلام، وأرسخ من أن يسلّم مصيره لعصابات تتكئ على الرصاص. ومرهونة للخارج…
[ad_2]
Source


