[ad_1]
وهم الأفريقية
بقلم :لام دينق نوت شول
أيها السادة،
لقد قرأت ما كتبه الأخ دينقديت أيوك، فوجدت فيه صورةً باهتة للتاريخ، وصوتًا يظن أنه يملك الحقيقة بينما لا يحمل إلا أوهامًا زرعها الاستعمار في العقول. وأقولها بملء الفم: ما يسمى بالهوية الأفريقية لم يكن يومًا حقيقة قائمة، بل هوية مُخترَعة وحديثة العهد، لا وجود لها إلا في خيال النخب التي تعيد إنتاج خطاب المستعمر بألفاظ جديدة.
1: ما معنى “الأفريقية”؟
هل القارة الأفريقية أمّة واحدة؟ أَيُعقل أن نساوي بين زولو جنوب أفريقيا، وأمازيغ المغرب، ودينكا الجنوب، وفولاني نيجيريا، وكوش النوبة؟ هل جمع هؤلاء جميعًا في سلة واحدة يُسمى “الأفريقية” إلا كذبة كبرى ابتكرها المستعمر ليجعلنا نبحث عن “هوية” مزعومة بدل أن نبحث عن قوة ووحدة؟
الأفريقية، كما تُطرح اليوم، ليست أصلًا بل صناعة غربية، ولدت في قاعات الجامعات الأوروبية في القرن التاسع عشر، حيث صاغ المستعمر خطاب “الأفارقة” مقابل “الأوروبيين” و”العرب”. ومن العجب أن بعض أبنائنا صاروا يقدّمون هذا الاختراع كأنه هوية أزلية!
2
الإسلام لم يدخل أفريقيا بالأمس. منذ أكثر من ألف وأربعمائة عام، صارت العربية لغة علم وفكر وتجارة في القارة. فهل يُعقل أن نصف هذا التاريخ الطويل بأنه مجرد “طمس”؟! إذا كان الانتشار الطبيعي للغة العربية والثقافة الإسلامية طمسًا، فماذا نسمي انتشار الإنجليزية والفرنسية اليوم؟ أليس هو الطمس الحقيقي؟
العروبة ليست قومية سياسية ضيقة كما يُصوّرها البعض، بل هي فضاء حضاري امتد من الجزيرة العربية إلى وادي النيل والمغرب والأندلس. في هذا الفضاء، دخلت شعوب شتى، ولم يُطلب منها أن تنكر جذورها، بل أضافت إليها. فالنوبة بقوا نوبة، والأمازيغ أمازيغ، والدينكا دينكا، لكنهم دخلوا في أفق أوسع منحهم لسانًا مشتركًا وحضارة جامعة.
3
المشكلة لم تكن في الإسلام ولا في العربية، بل في الحكام الذين استخدموا السلطة للاستبداد. الاستبداد يرتدي أي زي: في أوروبا لبس ثوب المسيحية، وفي أفريقيا لبس ثوب القبيلة، وفي الخرطوم لبس ثوب الدين. فهل نُلغي الدين لأنه استُعمل في السياسة؟ إن هذا كمن يحرق الدواء لأنه وُضع في يد طبيب فاسد.
4
من يتحدث عن الإسلام كقهر ينسى أن هذا الدين هو الذي حرّر العبد، ورفض العنصرية، وجعل معيار التفاضل هو التقوى لا اللون ولا العِرق. الإسلام لم يقل يومًا إن العرب وحدهم أهل الجنة. بل قال: “لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى”. فكيف يُصوَّر على أنه مشروع عنصري؟
5
يا سادة، ما هي الهوية؟ هل هي لون الجلد؟ إن كان كذلك فاالامازيغ بشرتهم بيضاء . هل هي اللغة؟ إن كانت كذلك فاللغة تُكتسب بالتعلم. الهوية الحقيقية هي المعنى الذي يحمله الإنسان في قلبه. والإسلام جاء ليمنح الإنسان معنى يتجاوز القبيلة واللون والحدود. أما “الأفريقية” فهي شعارٌ بلا مضمون، جمعت بين أضداد لا يربطها رابط إلا أن الأوروبي هو من أطلق عليهم اسم “أفارقة”.
6
الكاتب يهاجم الإسلام والعروبة لأنهما “مشروع توسع”، بينما يرفع راية “الأفريقية”، وهي في حقيقتها مشروع سياسي صنعه الاستعمار ليُبقي القارة متشرذمة تحت نفوذه. فهل تريدون أن نرفض ألف سنة من تاريخنا المشترك مع العرب والمسلمين، لنقبل هوية لم يمضِ عليها سوى قرنين من الزمن؟!
ختاماً
أقولها بجرأة:
الأفريقية ليست هوية، بل وهم حديث. الإسلام والعروبة هما الجذور التي منحت هذه الأرض لسانًا مشتركًا وروحًا جامعة.
من أراد أن يحارب الظلم فليحارب المستبد، لا الدين. ومن أراد أن يحمي الهويّة فليعرف أن الهويّة لا تُبنى على لون الجلد، بل على مشروع حضاري ممتد.
ولذلك، فإن محاولة تحميل الإسلام والعروبة وزر الاستعمار والقهر السياسي ليست إلا قلبًا للحقائق. إننا – نحن الجنوبيين – لم نكن ضحايا الإسلام، بل ضحايا الاستعمار أولًا، وضحايا الانقسام الذي زرعه في قلوبنا ثانيًا.
[ad_2]
Source


