[ad_1]
#حد_الحرابة
تُعتبر الدعوة لقبول من دعموا التمرد خيانة عُظمى، بل ترتقي إلى درجة التواطؤ مع العدو أو التخابر لصالح جهة معادية. هذه الأفعال تُعتبر من أخطر الجرائم في أي دولة، إذ إنّها لا تقتصر على دعم التمرد ضدّ الحكومة فقط، بل تمتدّ لتشمل المساهمة في إراقة الدماء وتدمير النسيج الاجتماعي وتقويض أسس الدولة.
إنّ مطالبة أحد أبطال معركة الكرامة بالعفو عن المدعوّ إبراهيم بقال، بالرغم من أنّ أفعاله المعلومة للجميع هي بدعم المتمردين، تُثير تساؤلات حول دوافع هذه المطالبة. قد يكون الدافع شخصيّاً، كالاِعتقاد بأنّ العفو قد يُساهم في تحقيق مصالحة وطنية أو تجنيب الدولة من اِستمرار الحرب، أو قد يكون ذلك نابعاً من إيمان عميق بقيم التسامح والغفران حتى في أحلك الظروف. هذه المطالبة تُعدّ لافتة للنظر لأنّها تأتي من شخص يُفترض أنّه عانى بشكل مباشر وإخوانه من التمرد، وفي كلّ يوم يسقط العديد من الشهداء في معركة الكرامة.
لقد شهد التاريخ العديد من الأحداث المشابهة؛ حيث شهدت فرنسا محاكمات سريعة وقاسية للمتعاونين مع النظام النازي، تمّ إعدام آلاف الأشخاص وحُكِم على عشرات الآلاف بالسجن. كان هذا النهج يُعرف باسم (التطهير)، وكان يهدف إلى إعادة الهيبة للدولة الفرنسية ومعاقبة من ساهموا في إذلالها واِحتلالها. وفي جنوب أفريقيا، بعد نظام الفصل العنصري، تمّ إنشاء لجنة الحقيقة والمصالحة التي منحت العفو للمتّهمين بجرائم اِرتُكِبت خلال حقبة الفصل العنصري مقابل اِعترافهم الكامل بما فعلوه. كان الهدف هو تحقيق العدالة الاِنتقالية وإعادة بناء مجتمع متصالح، بدلاً من اللجوء إلى الاِنتقام.
تتّخذ الشريعة الإسلامية موقفاً حاسماً تجاه الجرائم التي تهدّد أمن المجتمع واِستقراره، ومن أبرز هذه الجرائم البغي والحرابة. يهدف الإسلام إلى إقامة مجتمع آمن ومستقر، ولذلك وضع قوانين صارمة لردع من يسعى لزعزعة الأمن والنظام العام.
فإن كان دعاة العفو عن المتعاونين مع قوات الدعم السريع يظنّون أنّهم بغاة لا يُطبَّق فيهم حدّ الحرابة، فسوف أوضح أدناه وضع منتسبي قوات الدعم السريع المتمردة والمتعاونين معها والمساندين لها، بل وحتى من يساندونهم سياسياً وإعلامياً.
فالبغاة هم فئة من الناس يخرجون على رئيس الدولة (إمام المسلمين الشرعي)، أو يرفضون الخضوع لحكمه وطاعته، وهم يملكون قوة ومنعة. لا يُعتبر كل خارج عن طاعة الإمام باغياً، بل يجب أن يكون لديه قوة وقدرة على المواجهة. يُطلَق عليهم هذا الاِسم لأنّهم “يبغون” أو يطلبون الخروج عن طاعة الحاكم الشرعي.
تتلخص شروط البغي في التالي:
الخروج على رئيس الدولة، وأن يكون شرعياً، قد بايعه المسلمون أو بايعه أهل الحلّ والعقد، وهي (المنظومة العسكرية والأمنية)، وقبل بذلك قادة الأحزاب السياسية صاحبة الثقل السياسي في الدولة، طالما تغيب عن الظرف قيام اِنتخابات عامة.
وجود قوة ومنعة، حيث يجب أن تكون لدى البغاة قوة كافية لمواجهة السلطة.
تأويل سائغ، حيث يجب أن يكون خروجهم مبنياً على تأويل خاطئ لمسألة شرعية أو سياسية، لا لمجرد الفساد أو العنف.
كيف يتعامل معهم الحاكم؟
يجب على الحاكم أوّلاً أن يبعث إليهم من يدعوهم إلى الطاعة ويزيل شبهاتهم. إذا رفضوا العودة، يُقاتَلون قتالاً حربياً لا يهدف إلى إبادتهم، بل إلى إخضاعهم وإعادتهم إلى طاعة رئيس الدولة.
لا يجوز في مواجهة البغاة إثخان الجراح في قتلاهم أو الإجهاز على الجرحى أو أسر نسائهم وأبنائهم. إذا عادوا إلى طاعة رئيس الدولة، يُكفّ عن قتالهم.
أمّا حكم الحرابة وتُسمّى أيضاً قطع الطريق، فهي جريمة أخطر من البغي.
تُعرَف بأنّها خروج فئة مسلّحة من الأفراد أو الجماعات إلى الطرقات العامة لترويع الآمنين وسلب أموالهم، أو قتلهم، أو اِنتهاك حرماتهم.
يُعدّ الاِعتداء على المجتمع وأفراده بشكل مباشر (حرابة بَيِّنة) لا لَبْسَ فيها.
شروط توفّر الحرابة هي:
الخروج إلى الطريق العام بغرض اِرتكاب الجرائم، أو في مكان يمرّ منه الناس، أو داخل منازلهم، أو أماكن عملهم، أو في الأسواق، إلخ.
اِشتراط حمل السلاح من قبل الجناة.
يجب أن تتضمّن الجريمة ترويعاً للآمنين، سواء بالسلب أو القتل أو الاِغتصاب أو التشريد، إلخ.
ما هو حكم الحرابة؟
الحرابة جريمة كبرى ولذلك وضع الإسلام حَدّاً لها.
يذكر الله في القرآن الكريم عقوبة الحرابة في سورة المائدة، الآية (33):
“إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ”.
عليه، يختلف الحدّ بناءً على الجريمة التي اِرتكبها قاطع الطريق.
إذا قتل قاطع الطريق ولم يأخذ مالاً، يُعاقَب بالقتل.
وإذا أخذ المال فقط ولم يقتل، تُقطَع يده ورجله من خلاف (اليمنى مع اليسرى).
وإذا قتل وأخذ المال معاً، تكون العقوبة بالقتل والصلب معاً.
أمّا إذا كان بالترويع دون قتل أو أخذ مال، فتكون العقوبة بالنفي من الأرض، أي خارج الدولة.
في حالة قوات الدعم السريع المتمردة والمنحلة، والتي خرجت على السلطة بهدف الحصول على الحكم، ثمّ تجاوز ذلك بالاِعتداء على المدنيين بالقتل والسرقة والاِغتصاب والترويع، فإنّ الحكم عليهم يجمع بين حكم البغاة وحدّ الحرابة معاً.
فعندما يتجاوز البغاة حدود القتال المشروع إلى اِرتكاب أفعال إجرامية ضدّ المدنيين العُزَّل، كالقتل العشوائي والسرقة والاِغتصاب والتعذيب، فهي بالضبط ما يُعرف بـ(الحرابة) أو (قطع الطريق)، وهو السعي في الأرض بالفساد وإخافة الآمنين.
عندما تقترف مجموعة من البغاة أفعال الحرابة، فإنّهم لا يزالون بغاة من حيث الخروج على السلطان، ولكنّهم يقعون تحت طائلة حدّ الحرابة بسبب جرائمهم ضدّ الناس، ولهذا يجمع الفقهاء في هذه الحالة بين الحكمين.
فبالنسبة لجرائمهم ضدّ الدولة، فهم بغاة، ولكن جرائمهم ضدّ الأفراد والمجتمع تستوجب تطبيق حدّ الحرابة.
وفي حالة ما فعله ضباط وأفراد قوات الدعم السريع المتمردة والمنحلة، يُطبَّق عليهم أشدّ الأحكام، وهي العقوبات المذكورة في القرآن الكريم لمن يحارب الله ورسوله ويسعى في الأرض فساداً، فهي تشمل (القتل أو الصلب أو تقطيع الأيدي والأرجل من خلاف أو النفي من الأرض)، وذلك بحسب الجرم المرتكب من قبل كلّ فرد منهم.
فالخروج على الدولة هو بغي، لكنّ الاِعتداء على المدنيين بالقتل والسرقة والاِغتصاب هو حرابة، ولذلك يتمّ التعامل معهم على أنّهم بغاة محاربون، وتُطبَّق عليهم الأحكام الأشدّ لردعهم وحماية المجتمع.
” إن الأمة التي لا تُحاسب من يُخونونها هي أمة تُشجع على الخيانة وتُمهد لانهيارها ”
المستشار/ محمد السر مساعد
[ad_2]
Source
