[ad_1]
#أحمد_عثمان_جبريل..
#يكتب:
البرهان واختيار المواجهة .. تفكيك الجيش أم تفجير الدولة؟
في لحظات التحول التاريخي، تتجاوز الخيارات المتاحة حدود المنطق الظاهري، وتدخل في معترك الضرورة السياسية.. ومن يقرأ التاريخ جيدًا يعلم أن القادة لا يختارون المواجهة عبثًا، بل حين تستنفد كل أدوات المناورة.. هكذا يبدو المشهد السوداني في ظل القرار الأخير للفريق البرهان بإحالة ضباط بارزين، عُرفوا بانتمائهم للحركة الإسلامية، إلى التقاعد.. إنه خيار المواجهة، لا محالة، لكن ما الذي يعنيه هذا الخيار؟ وأي أبواب يفتحها أو يغلقها أمام مستقبل السودان؟
منذ اندلاع الحرب في السودان، ظل الجيش هو الجدار الأخير الذي يتكئ عليه البرهان، لكنه لم يكن جيشًا موحدًا بالمعنى السياسي، فقد ظل النفوذ الإسلامي حاضراً في طبقاته العليا، كامتداد طبيعي لعقود من التمكين والتغلغل داخل مفاصل الدولة، لذلك فإن قرار البرهان بإبعاد الضباط “المحسوبين” على الإسلاميين ليس مجرد إجراء إداري، بل رسالة سياسية واضحة: البرهان ينوي تفكيك تركة الإسلاميين داخل الجيش.
بهذا الفعل، ينقل الصراع من معسكرات الخارج إلى داخل المؤسسة العسكرية، وهو أمر بالغ الخطورة، فالمعركة حين تدخل جدران الجيش لا تعود معركة سلطوية فحسب، بل مسألة وجود، قد تفتح على البلاد أبواب الانقسام والاحتراب داخل “البيت الواحد”.
وربما الأهم من القرار ذاته، هو التوقيت والرسالة السياسية الضمنية التي يحملها، إذ تشير المعطيات إلى أن البرهان، ومعه بعض الدوائر الإقليمية والدولية، يُعدّون لتسوية سياسية تُطبخ على نار هادئة، تهدف إلى إعادة صياغة السلطة في السودان على نحو يُنهي الحرب، ويؤسس لمرحلة انتقالية جديدة..
لكن اللافت في هذه التسوية هو إسقاط الإسلاميين من حساباتها مبكرًا.. لم يُدعوا إلى الطاولة، ولا يُراد لهم أن يكونوا جزءًا من التوازن القادم، بل يُنظر إليهم كعبء على الاستقرار، ومصدر قلق للمجتمع الدولي، وشركاء المرحلة المقبلة.
ولعل إحالة الضباط الإسلاميين من المؤسسة العسكرية تمهيد تنظيمي لإزاحتهم من مشهد ما بعد الحرب.. فالبرهان لا يريد أن يدخل أي تسوية قادمة ومعه “ذراع عسكرية” محسوبة على الإسلاميين تُضعف موقفه التفاوضي، أو تُثير قلق الحلفاء الإقليميين الذين يرعون خارطة الخروج من الأزمة..
إنها لحظة فرز، يُعاد فيها تعريف من هو “داخل” المشهد السياسي ومن هو “خارج” اللعبة.
والسؤال هنا .. هل البرهان بصدد تأسيس (جمهوريته)؟ .. إذ يقرأ بعض المراقبين هذا التحرك بوصفه خطوة نحو إعادة تشكيل النظام السياسي والعسكري على أسس جديدة، ربما تؤسس لـ”جمهورية برهانية” لا مكان فيها للقوى التي شكلت عمق النظام السابق.. فهو يتحرك بخطى محسوبة نحو تقليص نفوذ الإسلاميين، ويعيد إنتاج تحالفاته الإقليمية والدولية بشكل يُطمئن الفاعلين الخارجيين بأنه ليس أسيرًا لأجندات الإسلاميين، ولا راغبًا في إعادتهم إلى واجهة الحكم.
لكن ما لا يمكن تجاهله، أن هذا النوع من التحولات لا يتم بمجرد قرارات فوقية.. فالجهاز الذي بناه الإسلاميون على مدى ثلاثين عامًا لا يتآكل بسهولة، بل قد يختار المقاومة، العلنية أو الصامتة.
وهنا نصل إلى السؤال الجوهري: هل يدرك الإسلاميون أن لحظة التحول التاريخي لا تسمح بالتمسك الأعمى بالموقع، وأن البقاء في اللعبة يتطلب أحيانًا الانسحاب من دائرة الضوء إلى دوائر التأثير غير المرئية؟..
التاريخ يعلمنا أن الجماعات الأيديولوجية، حين تُقصى من السلطة، لا تخرج دائمًا من المعادلة، بل قد تعود عبر أدوات جديدة، وتحالفات غير مألوفة، وأحيانًا من بوابة العدو السابق.. لكن ذلك يتطلب قدرًا كبيرًا من البراغماتية والمرونة الفكرية، وهو ما لم يُظهره الإسلاميون السودانيون كثيرًا في السنوات الأخيرة، ربما يفقدون هذه الخاصية، إذ بدوا – في كثير من الأحيان – أسرى خطاب الماضي وموقع الضحية، أكثر من كونهم فاعلين يُجيدون اقتناص الفرص.
ثمة جناح في الحركة الإسلامية قد يفهم التحول، ويبدأ بالتحرك بعيدًا عن الصخب، في محاولة لاستعادة النفوذ عبر واجهات مدنية أو كيانات قبلية أو حتى قوى إقليمية.. لكن بالمقابل، لا يمكن استبعاد أن تدفع قرارات الإقصاء بعض الأطراف إلى الانزلاق نحو ردود فعل متهورة، أو محاولة تخريب التماسك الداخلي للمؤسسة العسكرية.
إلى أين يتجه المشهد؟ هذا هو السؤال الذي يفرض نفسه.. إننا نقول : المشهد السوداني الآن يقف على حافة مفترق حاد: إما أن ينجح البرهان في إعادة هيكلة الجيش والسلطة، وتأسيس وضع سياسي جديد، يعيد بعض التوازن للمشهد، ولو مرحليًا، أو أن يتحول الصراع إلى مواجهة أكثر عمقًا، تُخرج ما تبقى من الإسلاميين إلى العلن، وتُعيد البلاد إلى دوامة استقطاب حاد بين “الدولة” و”الدولة العميقة”.
إن الخطوة القادمة، من طرف البرهان، ستكون حاسمة: هل سيتبع الإحالات بمشروع سياسي جامع، يعرض من خلاله رؤية انتقالية مقبولة، كخارطة طريق للتسوية المرتقبة؟ أم سيكتفي بإبعاد خصومه دون تقديم بديل حقيقي؟ في المقابل، يبقى الإسلاميون أمام خيارين: إما قراءة اللحظة التاريخية بعقل استراتيجي، أو الاستمرار في اجترار خطاب المظلومية، ما يجعلهم خارج دائرة الفعل، وربما خارج الزمن السياسي القادم.
أعتقد السودان أمام اختبار شاق، لا يتعلق فقط بمن يحكم، بل بكيفية الخروج من إرث ثقيل، ومواجهة واقع معقد.. وفي خضم هذه اللحظة الحرجة، قد لا يكون البقاء في الضوء هو الخيار الأمثل للفاعلين السياسيين، بل ربما تكون القوة الحقيقية في القدرة على التواري، وإعادة التموضع، والعودة من حيث لا يتوقع أحد .. فالتحولات الكبرى لا تُصنع بالصوت العالي، بل بحكمة من يُجيد فهم إيقاع التاريخ.. إنا لله ياخ.. الله غالب.
[ad_2]
Source


