[ad_1]
يستغرب كثير من السياسيين من تنامي مشاعر النفور الشعبي تجاههم، لكنهم يتجاهلون السبب الجوهري لذلك. العلاقة بين الماضي والحاضر ليست علاقة خطية بسيطة، كما يتوهمون: أن الماضي معروف، والحاضر امتداد طبيعي له، والمستقبل يُبنى على الاثنين. الحقيقة أن ما يكتشفه المواطن في الحاضر يُعيد بالضرورة تشكيل قراءته للماضي، فيكتشف خفايا لم يكن يعلمها من قبل، ويعيد تقييم الأحداث والوجوه والشعارات.
على سبيل المثال، ما زال بعض السياسيين – أو من يحسبون أنفسهم كذلك – يرفعون شعارات الثورة وكأنها صك شرعية أبدي. غير أن الحاضر كشف للشعب أن رفع الشعارات شيء، ومصداقية من يرفعها شيء آخر. فهل كان الشباب الثائر سيبذل الغالي والنفيس لو كان يعلم أن انتفاضته ستفضي إلى صعود مليشيا مسلحة تتحكم في مصيره، وإلى بروز طبقة سياسية متهافتة على السلطة، وإلى قادة عسكريين لم يتورعوا عن إعادة إنتاج الطغيان، وهل كان سيستميت الشباب في الساحات لو أدرك أن الدولة العميقة لن تقتلع، وأن التنظيمات القديمة ستعود بأقنعة جديدة؟
من هنا يصبح من المبالغة أن نطلق على ما جرى اسم “ثورة” بالمعنى العلمي والسياسي الدقيق. ثورة ديسمبر أُجهضت، أو بالأحرى أُفشلت بفعل السياسيين أنفسهم، وبفعل مشروع “الهبوط الناعم” الذي حولها إلى عملية انتقال مُسيطر عليها. وعليه فإن التوصيف الأقرب هو أنها كانت “انتفاضة” شعبية واسعة، أو كما يسميها العسكر “تغيير”، وهو تغيير من سيئ إلى أسوأ.
لا فرق بين الكيزان العورة الذين يرفعون شعاراتهم البالية، وبين السياسيين والنشطاء من “قحت”، الأكثر عوارة الذين يرفعون شعارات “الثورة” طمعاً في التلاعب بمشاعر الشعب او استقطابه.
[ad_2]
Source


