“الشهيد مهند فضل… سيد شباب شهداء جنة علي كرتي”
بقلم #غزالي_آدم_موسى
لو رجعنا للقرآن الكريم نفسه سنجد أنه لا يصف من يموت في القتال بـ”الشهيد”. الكلمة في القرآن لها معانٍ مختلفة تمامًا: الشاهد، الشهادة بالحق، أو حضور الواقعة. أما من يُقتلون في الحروب فقد وصفهم القرآن ببساطة بأنهم قتلى، ووعدهم بالحياة عند الله، لكن دون أن يمنحهم لقب “شهداء”. حتى النبي ﷺ نفسه، حينما كادوا يظنون أنه قُتل في أُحد، جاء الوحي واضحًا: {أفإن مات أو قُتل انقلبتم على أعقابكم}. لا ذكر لمفهوم “الشهادة”.
ولننظر إلى معركة أُحد نفسها: عندما صاح أبو سفيان “يومٌ بيوم بدر والحرب سجال”، ردّ عليه عمر بن الخطاب قائلاً: “ليس سواء، قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار”. لاحظوا، لم يقل “شهداؤنا”، بل “قتلانا”. أي أن حتى خيرة الصحابة الذين سقطوا دفاعًا عن الإسلام لم يُطلق عليهم لقب “شهداء”.
لقب “الشهيد” لم يدخل القاموس الإسلامي إلا لاحقًا، حين احتاجت دول بني أمية وبني العباس لخطاب ديني يبرر حروب التوسع ويغطي الموت السياسي بطلاء سماوي. هناك اخترع فقهاء السلطان لقبًا جديدًا يمنح القتيل في خدمة الدولة المركزية قداسة فورية و”تذكرة دخول مجاني إلى الفردوس الاعلى”.
ومنذ ذلك الوقت صار الموت في معارك السلاطين يسمى “شهادة”، بينما هو في حقيقته مجرد موت سياسي، ملوّن بالدين لخداع البسطاء.
واليوم، وبعد أكثر من ألف عام، لا يزال أنصار الإسلام السياسي يكررون نفس الكذبة بنفس الوقاحة. في رثاء قائد عمليات “كتيبة البراء”، مهند فضل إبراهيم، خرجت جوقة الإسلاميين لتسكب الدموع وتوزع أوسمة “الشهادة” على الجثمان. نفس الكلمات المعلبة، نفس الخطاب العاطفي الذي لا يختلف في جوهره عن دعاية بني العباس. وكأن الزمن توقف، وكأن الناس لا تزال قابلة لأن تُقاد إلى المقابر بكلمة “شهيد”.
لكن المفارقة المضحكة حدّ السخرية، أن الذين يبيعون هذا الوهم لا يموتون أبدًا. “الشهداء” دائمًا من أبناء الفقراء والمغفلين، بينما قادة المشروع الإسلامي وأسرهم ينعمون في شواطئ إسطنبول، يتاجرون بدماء البسطاء كما يتاجر السماسرة بالأسهم. شعارهم: موتوا أنتم لتعيش الفكرة، ونحن نعيش لتُدفنوا أنتم.
إن موت مهند فضل إبراهيم ليس “شهادة”، بل دليل حيّ على أن ماكينة الهوس الديني ما زالت تعمل: ماكينة قديمة، صدئة، لكنها فعالة بما يكفي لجرّ المزيد من الشباب إلى المقابر، فيما القادة الحقيقيون يكتفون بإرسال برقيات الرثاء والتعازي من مقاهي تركيا الفاخرة.
Source