[ad_1]
#تقاعس_الحكومة
في ظل الأزمات المتتالية التي يشهدها السودان، تتكشف حقيقة مؤلمة أن المواطن السوداني قد تجاوز حكومته.
لم يعد الاعتماد على المؤسسات الرسمية خياراً متاحاً، بل أصبح واجباً على المواطن أن يأخذ زمام المبادرة في كل جانب من جوانب حياته، من الدفاع عن نفسه إلى تأمين احتياجاته الأساسية.
هذه الحالة من “الفوضى المنظمة” التي يقودها الشعب هي بمثابة شهادة قاسية على فشل الحكومة في القيام بواجباتها الأساسية، ووجودها الذي أصبح مقتصراً على الفضاء الافتراضي والإعلامي.
منذ اندلاع الحرب، شهدنا انسحاباً غير مبرر للقوات المسلحة من عدة مدن ومناطق، تاركة المواطنين العزل فريسة للمليشيا المتمردة، هذا التقصير الأمني دفع المواطنين إلى حمل السلاح للدفاع عن أنفسهم وممتلكاتهم.
لم يكن هذا الخيار وليد رغبة في العنف، بل هو نتيجة مباشرة لفراغ أمني تركته الحكومة.
لقد أثبت المواطنون أنهم الأقدر على حماية أنفسهم، وأنهم مستعدون لتحمل مسؤولية غابت عنها الدولة. هذه المقاومة الشعبية ليست تمرداً على السلطة او الدولة، بل هي تعبير عن ضرورة البقاء في وجه الانهيار التام.
لم يقتصر تقصير الحكومة على الجانب الأمني فحسب، بل امتد إلى الخدمات الأساسية، ففي الوقت الذي تعاني فيه البلاد من انقطاع مستمر في الكهرباء، لم تقدم الحكومة أي حلول جذرية.
في المقابل، تحرك المواطنون لتجاوز هذا العجز من خلال مبادرات مجتمعية، مثل استيراد ألواح الطاقة الشمسية وتوزيعها على الأحياء والمنازل.
هذا التحرك الشعبي يثبت أن المواطنين لا ينتظرون وعوداً فارغة، بل يعملون على إيجاد حلول عملية لمشاكلهم اليومية.
تعد المستشفيات والمراكز الصحية من أكثر المرافق التي تضررت خلال الحرب، ومع غياب الدعم الحكومي، تولى المواطنون مسؤولية إعادة تأهيلها. في العديد من الولايات التي نزحوا إليها وفي العاصمة الخرطوم، قام الأهالي بجمع التبرعات وإصلاح المرافق الصحية المتضررة، وتوفير الأجهزة والمستلزمات الطبية.
هذه المبادرات الشعبية هي شهادة على أن المواطن السوداني لا ينتظر منقذاً من الحكومة، بل أصبح هو المنقذ لنفسه ولمجتمعه.
إن فكرة العودة إلى العاصمة الخرطوم، التي دمرتها الحرب لم تعد مرتبطة بخطط حكومية أو وعود سياسية.
لقد أصبح المواطنون يدركون أن إعادة الإعمار وإعادة الحياة للعاصمة ستكون من خلال جهودهم الذاتية.
إن العون الشعبي الذي شهدناه في العديد من المناطق، من جمع التبرعات إلى توفير الغذاء والدواء سيتحول إلى قوة دافعة لإعادة بناء العاصمة الخرطوم من جديد.
المواطن السوداني اليوم لا يراهن على الحكومة، بل يراهن على نفسه وعلى قوة مجتمعه.
إن الحقيقة المؤلمة هي أن الحكومة السودانية، في صورتها الحالية، هي كيان افتراضي، موجود في القنوات الفضائية ومنصات التواصل الاجتماعي، أكثر من أثرها على الأرض، والشعب السوداني هو من يدير شؤون البلاد على أرض الواقع.
أما عن التصريحات من حين لآخر والتي تتحدث عن تشييد عاصمة إدارية جديدة للبلاد.
هذه الأحاديث، التي يطلقها مسؤولون رفيعو المستوى، لا يمكن وصفها إلا بأنها “أضغاث أحلام”، أو على الأقل، أحاديث منفصلة تماماً عن الواقع المرير الذي يعيشه المواطن السوداني.
فالحديث عن بناء عاصمة جديدة في الوقت الراهن هو ضرب من الخيال، وذلك لسبب بسيط ومباشر وهو ! لا توجد موارد لتحقيق ذلك.
فالسودان يعاني من أزمة اقتصادية خانقة، وتدمير للبنية التحتية، وتوقف شبه تام للعجلة الإنتاجية.
فمن أين ستأتي الأموال اللازمة لبناء مدينة كاملة؟ هل سيتم الاقتراض من الخارج بينما البلاد غارقة في الديون؟ أم أن هناك خططاً سرية لجذب استثمارات أجنبية في ظل انعدام الأمن السياسي والعسكري؟
ففكرة جذب رؤوس أموال أجنبية في هذا الوقت، لتمويل مشروع ضخم بهذا الحجم، تبدو مستحيلة، فالمستثمر يبحث عن بيئة آمنة ومستقرة، ومناخ استثماري يشجع على العمل، وليس بالاستثمار في بلد يعيش في حالة حرب.
إن هذه التصريحات لا تدل فقط على عدم وجود موارد، بل تكشف عن انفصال كامل للمسؤولين عن الواقع.
فبينما يواجه المواطن السوداني تحديات يومية للبقاء على قيد الحياة، من نقص الغذاء والدواء، وانقطاع الخدمات الأساسية، وتدمير منازله، يتحدث المسؤولون عن مشاريع مستقبلية عملاقة لا يمكن تحقيقها ولا بعد عشرات السنين.
هذا الانفصال يثير تساؤلات حول أولويات الحكومة، هل الأولى أن يتم توفير الغذاء والدواء للمتضررين، وإعادة تأهيل المستشفيات والمدارس والجامعات، أم أن يتم التخطيط لعاصمة إدارية جديدة؟
قد يكون الهدف من هذه التصريحات هو محاولة إعطاء انطباع بأن هناك “حكومة” تعمل وتخطط للمستقبل، في محاولة لامتصاص غضب الشارع وإعطاء بارقة أمل زائفة.
ولكن، في الواقع، هذه التصريحات تزيد من غضب المواطنين وتفضح فشل الحكومة في التعامل مع الأزمة الحالية.
إن بناء عاصمة جديدة هو مشروع يتم التفكير فيه في أوقات الرخاء والاستقرار، وليس في أوقات الحرب.
والأجدر بالمسؤولين أن يركزوا جهودهم على الانتصار التام على التمرد، وإعادة الأمن وتوفير احتياجات المواطنين قبل أن يتحدثوا عن أحلام لا أساس لها من الواقع.
هذا التناقض الصارخ يطرح سؤالاً جوهرياً وهو !
هل يمكن لدولة أن تستمر في الوجود عندما تكون حكومتها غائبة تماماً عن احتياجات شعبها ومسؤولياتها الأساسية؟!
المستشار/ محمد السر مساعد
[ad_2]
Source


