[ad_1]
#أحمد_عثمان_حبريل ..
#يكتب:
الإسلاميون .. ضحايا تسوية يجري ترتيبها بدونهم
“في السياسة، لا يُكافأ أحد على ولائه، بل يُقصى عندما ينتفي نفعه.”
هكذا تقول الواقعية الباردة، كما يعلّمها التاريخ.
وقد كتب عالم الاجتماع “زيجمونت باومان” ذات مرة يقول :”الأزمة ليست ما نراه من اضطراب، بل ما نخفيه من تحوُّل.”
في السودان، لا تهدأ الساحة حتى تبدأ موجة أخرى من التشكُّل. فالتاريخ هناك لا يُكتب دفعة واحدة، بل يتسلّل على مهل، محمّلاً بإزاحات ناعمة، وتحولات لا يراها إلا من يُجيد قراءة الهامش أكثر من العناوين.
وها نحن اليوم، أمام لحظة جديدة… لحظة لا تُعلن نفسها بصوت عالٍ، لكنها تحمل من الدلالات ما يكفي ليشعر بها من اعتاد الجلوس قرب مراكز النار: الإسلاميون.. أولئك الذين كانوا – حتى الأمس القريب – شركاء في خنادق القتال، باتوا الآن خارج النص.. خرجوا بهدوء، دون ضجيج، لا لأنهم لم يقدّموا ما يكفي، بل لأن المشهد الذي يُرسم الآن لا يريد أن يكونوا ضمنه.
المعادلة تبدو واضحة: تسوية سياسية تُطبخ خارج البلاد، برعاية أمريكية، وبمقادير دقيقة لا تحتمل توابل الإسلاميين.
والحدث المفتاح، الذي بدأ منه كل شيء، لم يكن عسكريًا، بل دبلوماسيًا؛ لقاء هادئ في منتجعات سويسرا، جلسة مغلقة، لم يخرج منها بيان، لكنها حرّكت الماء الراكد، وأسقطت من الحساب لاعبًا كان يظن نفسه في قلب اللعبة.
كان الإسلاميون يتصورون أن الجيش الذي ظل يحقنوه بدمائهم لثلاثة عقود، ولعبوا في تركيبة جيناته وولاءته، سيظل هكذا إلى ما شاء الله، وأن ذلك بالتأكيد سيكون حاسما في أي مواجهة أو معادلة كانت، سلما وحربا .. ولكن الرسالة التي وصلتهم – ولو دون كلمات – كانت صارمة: “أنتم كنتم جزءًا من المعركة.. وهذا لا يعني بالضرورة أن تكونوا جزءًا من الحل.”
ومن هنا، تتفرّع الأسئلة الكُبرى: هل فُرض إقصاؤهم لأنهم خطر؟ أم لأنهم لم يعودوا ضرورة؟.. وهل خارطة الطريق لتلك التسوية التي تطبخ الآن وعلى أدق التفاصيل، تمثّل قراءة واعية لمستقبل السودان؟ أم مجرّد قفزة فوق تعقيداته بحثًا عن استقرار مُصطنع؟
الواقع أن الجميع في الداخل والخارج يتفق على حقيقة، أن التشدد في استبعادهم لم يكن خيارًا بين بدائل، بل خطوة لا مفر منها.. إذا أن الرواية الأولى للتسوية تقول: لا يمكن أن تنجح اي تسوية تُبنى على (بقايا نظام الإنقاذ) الذي كنسته ثورة شعبية عارمة.. ومن هنا، لم يعد السؤال: “هل نُقصيهم؟”، بل: “كيف نُقصيهم دون أن نوقظ ما نخشى منه؟”.
لكن القضية الأهم ليست في قرار الخارج، بل في ردة فعل الداخل.. بمعنى أيّ موقف سيتخذه الإسلاميون أنفسهم؟ هل يستمرّون في إنكار اللحظة، أم يُجيدون قراءتها كما ينبغي؟ فالتاريخ لا يُمهل المترددين.. والذين يُحسنون التموضع في التحولات، هم فقط من يكتبون نهاياتهم بأنفسهم، لا أن تُكتب عنهم.
الواقع إن الإسلاميين اليوم أمام منعطف فاصل: إما أن يتعاملوا مع الإقصاء على أنه فرصة لإعادة التشكّل، والتسلّل من جديد إلى مفاصل الدولة العميقة، ولو عبر الظل؛ كما خلص إلي ذلك عقلاء كثر من بينهم ولكن صوتهم خافت غير مسموع؛ أو يذهبوا نحو المواجهة الصفرية، ويعيدوا إنتاج سيناريوهات الخسارة، كما فعلوا من قبل في إشعال هذه الحرب العبثية.
نعم .. ليس سرًا أن جزءًا منهم يفكر بصوت خافت: أن البقاء في الظل، أحيانًا، أنفع من الحضور في الضوء.. وأن الذكاء في هذه اللحظة هو في “الانسحاب المرحلي”، لا في العناد العقائدي.
ولكن كما هناك صوته عقلانه ولا لكنه خافت هناك أيضا اصوات عالية و متهورة وهم كثر وأكثر ضجيجا وحري بالقول أنها تخرجت من ذات مدرسة المفقود اللواء انس عمر، ومن أجل ذلك بدأ البرهان، في عملية إغلاق المنافذ، وذلك بتصفية الصفوف الأمامية داخل الجيش وإحالة رموز بارزة إلى المعاش، وقد بدأ في ذلك كمن يُنظف المسرح تمهيدًا لوصول العرض المسرحي الجديد.
هو لا يريد مواجهة مع الإسلاميين، هكذا يتكرر و يخطط (الكاهن) لكنه أيضًا لا يستطيع حملهم معه إلى مائدة التسوية،. فالقرار اتُّخذ وواضح والتفاهمات الخارجية تحاصره، وهو يعلم أن أي ميل نحو “التيار القديم” سيُكلّفه غاليًا في علاقاته مع الشركاء الدوليين.
هنا، يُصبح المشهد أكثر تعقيدًا..فمن كانوا حلفاءه في خنادق المعارك، اصبحوا عبئًا ثقيلا في حملهم لمائدة التسوية السياسة.
وما بين الولاء القديم والضرورة الجديدة، إختار البرهان أن يُبقيهم في الهامش، وسيكونوا كذلك طالما ظل الصمت سائدًا.
نعم، يعلم الجميع، بما فيهم البرهان و القوى الخارجية والقوى الداخلية، أن جماعة المؤتمر الوطني ليسوا بلا أدوات.. إنهم خبروا لأكثر من ثلاثة عقود مفاصل الدولة، ويسيطرون – جزئيًا – على شبكات ما زالت قادرة على التأثير، وقد فعلوا مفاعيلهم لاسقاط حكومة الثورة التي اطاحت بنظامهم ولكن للحقيقة كان ذلك بمساعدة البرهان، ولكنه اختار الآن الإبتعاد،
ما يعني أن ما يملكونه من أدوات، لا يكفي وحده لتعديل المشهد، وأنه بات عليهم أن يعيدوا قراءة المشهد من جديدة، و يُقرن ببصيرة تاريخية، تقرأ أن اللحظة لا تقبل الصراخ، بل تستدعي التكيّف.
والمعادلة الآن، كما يُلخّصها الواقع بعقل وبصيرة، ان المعركة ليست على السلطة، بل على موطئ قدم في مشهد يُعاد ترتيبه من دونهم، بعناية شديدة، وأنه من لا يُحسن التموضع، سيُقصى، لا كضحية، ولا كشريك.. بل كمن حضر متأخرًا، وفاته القطار.
فالمعادلة باتت مغلقة على من لا يُجيد الإنصات لتحولات الزمن، والمأساة، حين لا يفهم أحدهم أن الهزيمة الذكية أحيانًا، خير من انتصار أحمق..
هكذا تُكتب لحظات التحوّل في السودان…
بأقلام لا تراها، وتفاهمات لا تُذاع، وخيارات لا تنتظر من أحد أن يوافق أو يعترض.
أما من يظن أن المشهد سيتوقف لينتظره، فسيكتشف متأخرًا أن الطريق إلى الغياب قد فُتح، دون حتى أن يُقال له: وداعًا.
إن استبعاد الإسلاميين من التسوية، لم يكن ترفًا سياسيًا، بل ضرورة ملحّة من وجهة نظر الفاعلين الدوليين والإقليميين.
فالتجربة السودانية ما بعد 2019، والضغوط المتزايدة نحو تشكيل نظام مدني “قابل للتسويق” خارجيًا، فرضت معادلة جديدة لا تسمح بإعادة إدماج قوى ترتبط في الذهن الغربي بالإرث الأيديولوجي والسلطوي لنظام الإنقاذ.. بمعنى آخر، لم يكن سؤال التسوية: هل يُستبعد الإسلاميون؟ بل: كيف نُدير تسوية دونهم؟
لكن التحدي الفعلي لا يكمن هنا.. فالمعادلة الحقيقية الآن ليست في قرار الإقصاء، بل في طريقة تلقّي الإسلاميين له، واستجابتهم له.
هل يقرؤون اللحظة ببصيرة سياسية، تدفعهم نحو إعادة تعريف دورهم، والانسحاب الذكي إلى مناطق التأثير غير المباشر؟
أم أنهم سيفشلون – كما فشلوا في محطات تاريخية سابقة – في فهم طبيعة التحولات، ويختارون المواجهة الصفرية التي لا يُجنى منها سوى العزلة والانكماش وربما الإندثار؟
إن من لا يُجيد قراءة متغيرات التاريخ في وقتها، يُقصى لا لأن خصومه أقوياء، بل لأنه لم يعد صالحًا للمرحلة .. إنا لله ياخ .. الله غالب.
#شبكة_رصد_السودان
[ad_2]
Source


